سيره القديسة كرستينا الشهيدة
صفحة 1 من اصل 1
سيره القديسة كرستينا الشهيدة
وُلدت هذه القديسة المباركة " كرستينا " في مدينة تور من مقاطعة توسكانا على شاطئ بحيرة بنيسنا ،
وكان والدها أريانوس والياً علي المدينة وكان وثنياً فظاً شرس الأخلاق وكان من أكبر أعداء المسيحية ، وكان
يضطهدهم بكل قوته ولم يكن يدع يوماً يمضى بدون تعذيب أحداً منهم ، وكان يتلذذ بأن يرى إنساناً من
المسيحيين يتأوه أو يتألم .
أما القديسة " كرستينا " فكانت لطيفةً جميلة الخلق والأخلاق وكانت من حينٍ لآخر تحضر المحفل
لمحاكمة أحد المسيحيين وكانت تتعجب من إحتشامهم وشجاعتهم في إحتمال أشد أنواع العذابات ، فأستخبرت
عنهم سراً فقيل لها أنهم مسيحيين وأنهم يعبدون الله الواحد ويرذلون عبادة الأوثان ويترجون الحياة الأبدية
السعيدة بعد الموت والإنتقال من هذا العالم الزائل من أجل ذلك يرذلون مباهج الحياة الدنيا وزخارفها ، يتركون
الكل ويتمسكون بالواحد .
إتفق بعد ذلك بتدبير العناية الإلهية أن كرستينا وجدت نساء مسيحيات فتعلمت منهم مبادئ الديانة المسيحية
وتعمقت فيها ثم سعت أن تنال سر المعمودية المقدسة ، وقد نالت هذا السر عن إيمان وتعمق وكانت حين ذاك
إبنة عشر سنين ، ونمت في الفضيلة رغم صغر سنها وفاقت الكثيرين في هذا الطريق حتى أصبحت حياتها صلاة
متصلة وصوم بنقاوة القلب وطهارة الجسد .
دخلت ذات يوم المكان الذى كان أبوها يحفظ فيه الأوثان الذهبية والفضية في قصر والدها فنظرت الصبية إلي
هذه الأوثان وتعجبت أن هذه آلهة تعبدها الناس وتقدم لها الذبائح . أين عقل الإنسان وحكمته ألم يخلق لنا الله
العقل للتمييز بين الخير والشر فقالت في نفسها ماذا يحدث لو أنا حطمت تلك الأوثان هل تجازيني الآلهة كما
يقولون
أقدمت علي الأوثان وحطمتها وكانت تجد لذةً في تحطيمها إذ إنها لم تجد مقاومة ولا دفاع عن النفس ثم
جمعت كسرها وباعته ووزعت ثمنها على الفقراء والمساكين ، إن حداثتها ومحبتها للسيد المسيح له المجد وما
فعلته من واجبات محبة القريب والإحسان على المساكين دفعتها في سبيل الرب يسوع لأن فلسفة عقلها وإيمانها
وأثبتا لها أن ما فعلته كان واجباً طبيعياً لا يحتاج إلي إقناع ولا إلي تحريض .
كيف ترى الأوثان سائدة في بيت أبيها وهي تعلم أن يسوع المسيح هو الإله الحقيقي خالق السماء والأرض
والبحر وكل ما فيها كل هذا ما لا يقبل به قلبها أو عقلها ولا إيمانها. حطمت الأوثان ورأت أن تفضح قدرتها
كيف لم تستطيع أن تدافع عن نفسها ضد أنامل ناعمة لطيفة صغيرة لم تتجاوز العشر سنين من عمرها.
فلما علم أبوها بذلك غضب جداً وخاف من غضب الآلهة وإنتقامها منه فأستدعى إبنته وسألها قائلاً: كيف
تجاسرتِ وفعلتِ هذا الجُرم العظيم ضد الآلهة فقالت بطيبة قلب وبكل هدوء بعيدة عن التكلف : أين هي الآلهة
يا أبي أتقول عن الأصنامُ انها آلهة كيف هذا يا أبي ، إن الأصنام لا شيء لأنها جماد ويسكنها الشيطان إبعد
عنك هذا الجهل يا أبي وآمن بالرب يسوع المسيح لأنه هو الإله الحقيقي وليس إله آخر سواه . هو خالق
الإنسان والحيوان وهو خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها هو الذي مات لنحيا .
فلما سمع أبوها هذا الكلامُ جُن جنونه وكادت الأرض أن تغوص تحت قدميه واحتدم غضباً وغيظاً وعزم
علي تعذيبها وقتلها إن لم ترتد عن تلك الديانة الجديدة فقال لها: " تكلمي بالحق يا كرستينا وقولي لي هل أنتِ
كسرتِ وسحقتِ آلهتي التي أسجد لها وأعبدها دائماً وأقدم لها الذبائح لكي يعم الهدوء والسلام في كل الولاية
فأجابته القديسة قائلةً : يا أبتي ما هي هذه الآلهة التي تسحقهم وتلاشيهم يد طفلة صغيرة مثلي عمرها عشر
سنين أما تخجل من ذلك يا أبي أن تسمي هذه الأصنام آلهة وتسجد لصنعة الأيادي التي لا تضر ولا تنفع
فألتهم قلب أبيها غيظاً وقال لها : " يا شريرة يا منافقة إنكِ إن لم تسمعي كلامي تموتي أشد ميتةُ. تنالين أشد
العذابات إن كنتِ لا ترذلين مذهب المسيحيين وتعبدين آلهتنا .
قالت له القديسة : " إنك تقدر أن تحرمني هذه الحياة لكنك لا تقدر أن تفصلني عن الإيمان بالسيد المسيح
الذي أعبده ومستعدةً أن أموت لأجله وإنني واثقة بنعمته أن أتغلب على كل العذابات ولا يهمني الموت .
أمر بتعذيبها فطرحها الجنود علي الأرض وضربوها بالسياط ، ولما رآها هادئةً تحت وطأة الضرب كأنها
لم تُضرب أمر الجنود أن يمزقوا لحمها بمخالب حديد إلي أن تموت ، فلما سال دمها علي الأرض أخذت جزء
منه وأرته لأبيها بإحتشام وشجاعة مقرونة بإبتهاج فخجل أريانوس أبوها وأمر أن تُلقى في السجن ، فلما رآها
سالمةً تماماً وكأنه لم يصبها أذى لأن ملاك الرب كان قد أتاها في السجن وضمد جراحها وشفاها فوقفت أمام
والدها وهي ثابتة في الإيمان كمثل الجبل الذي لا يتزعزع .
لما رآها على هذا الحال أمر بتعذيبها بأشد أنواع العذاب لكي ترتدع وتكون عبرةً لغيرها من الفتيات ،
فعلقوها على دولاب كله سكاكين حادة وأداروها عليه ومن تحت نار ملتهبة وكانوا يسكبون عليه زيت ليضاعفوا
من إشتعال النار ، وكان جمهور من الناس يشاهدونها في هذا المنظر البديع ، أن الطفلة في وسط النار ولم
تحترق ولم يصبها أذىً .
طارت النار من حول الدولاب وأحرقت كثيرين من الوثنيين فأعترى الحاكم الخزي والخوف ثم أمر بإرجاعها
إلي السجن وكان هذه المرة في سجن مظلم نتن الرائحة، فدخلت القديسة السجن ورفعت يديها و إبتدأت تصلي
بقلبٍ مملوء من السلام وإذا بملاك الرب ظهر لها ووقفت أمامها وكان شكله مضيئاً يلمع كنور الشمس ولمس
جسدها فشُفيت من جميع جراحها وعزاها الملاك وشجعها علي مواصلة المسيرة التي إبتدأتها فتعزت القديسة
وشكرت الله الذي لا يترك أولاده في ضيقاتهم ، كما قال داود النبي: " عند كثرة همومي. فى داخلى تعزياتك
يارب تلذذ نفسي" .
رأي الجنود هذه الأعجوبة العظيمة وأخبروا بها أريانوس الوالي والد القديسة وبدل أن يؤمن إشتد غضبه
أكثر وقال : " من أين أتت لها هذه القوة ! فأمر بإحضارها، فلما مثلت بين يديه ورآها وهي صحيحة الجسد
وناضرة الوجه متلألئةً فرحةً ، وبدل أن يزعن للحق ويقع علي عنقها ويُقبلها ويدافع عنها ويقبل بإيمانها
ويستغفرها حمله غيظاً وشراسة على أن يربطها بحجر ويرميها في البحر القائم على طرف المدينة ظناً منه أن
يستريح منها .
فلما ألقاها الجند في وسط البحر ظهر حينئذ ملاك الرب وحمل القديسة إلي حافة النهر وخلصها من الغرق ،
فلما سمع الوالي أريانوس والد القديسة جُن غضباً وسخطاً ومات لوقته إذ وجدوه في الصباح ميتاً في سريره ،
وخلفه في الحكم رجلاً أفظع منه أخلاقاً وأقوى منه شراسة يُدعى ديون ، فلما جلس على كرسي الحكم سمع
بخبر هذه القديسة وما فعله معها وإلا وكيف إنتصرت في كل هذه العذابات ، وبدل أن يرق قلبه علي هذه الطفلة
الصغيرة أراد أن يدلو بدلوه في عذاب هذه الطفلة البريئة .
إخترع أنواع من العذابات لم يُسمع بها من قبل ، ذلك لينتصر به علي شجاعة تلك القديسة وكأنه يحارب مع
ملك آخر . أمر هذا الطاغية الجديد أن تُوضع القديسة في قدر ملئ بالزيت والزفت ويتركوه يغلي مدةً ثم تُوضع
فيه القديسة كرستينا ، لكن القديسة عروس المسيح لما رأت ذلك تقدمت بكل شجاعة علي القدر الملئ بالزيت
المغلي ورشمت عليه علامة الصليب المقدس ونزلت فيه وهي تقول : " جزنا النار والرب أخرجني إلي الراح .
مكثت في القدر وهي تردد الصلاة بالشكر لله الذي أهلها أن تتألم من أجل إسمه ، ولم يسمها شئ من هذا
الزيت المغلي بسوء بل كانت فرحةً كأنها في حمام ماء وقالت للجلادين بسخريةٍ : كأنكم أردتم أن تضعوني في
جرن المعمودية من جديد ، إمتلأ الوالي من الغيظ وأمر أن تُوضع القديسة على سرير مُحمى بالنار ، فوضعوها
على هذا السرير وقالت : هوذا السرير الذي تضعون فيه طفلة صغيرة ولدت بالمعمودية ميلاداً روحياً منذ سنة
واحدة فأعلموا أنني متمتعة هنا كأني في حمام.
إحتار الوالي من أمرها ماذا يفعل مع هذه الطفلة التي تحير الحكام في أمرها . فأمر أن تُقاد كرستينا وهي
مكبلة بالسلاسل إلي هيكل أبوللون ، فلما دخلت الهيكل سقط الصنم على الأرض وتحطم في تلك الساعة عينها
سقط الوالي ديون من منبره ومات من الغيظ فلما رأي الجلادين هذا المنظر خروا ساجدين عن قدمي القديسة
كرستينا وصرخوا قائلين : لا إله إلا يسوع المسيح إله القديسة كرستينا الذي يعبده المسيحيين فلما رأي الشعب
ذلك آمن منهم في هذا اليوم جمعاً كثيراً وطلبوا المعمودية وأطلقوا القديسة ، لكن الشيطان عدو الخير لم يدعها
تتمتع بالراحة كثيراً بل جعل الحرب مستمرة معها دائماً .
جلس على منصة الحكم رجل ثالث يُدعى يوليانوس وبدل أن يطلق القديسة ويتركها وشأنها بعد كل ما صنع
الله من معجزات على يديها أراد هذا الوالي أن ينتقم منها لسلفيه فأمرها أن تسجد وتبخر للأوثان فرفضت ذلك
وقالت له : لا أسجد إلا للإله الواحد خالق السماء والأرض فأمر بإلقائها في النار التي أعدوها خصيصاً لها .
ألقوها في النار حيث كانت ملتهبة جداً فمكثت القديسة في النار لمدة خمسة أيام وكأنها في جنة النعيم ولم
تزل تبارك الله وترتل له تسابيح الشكر فأخرجوها بعد ذلك من الأتون فتعجب الجميع لأنه لم تكن رائحة الدخان
حتى في ثيابها وكان كل يوم ينضم الكثيرين إلي الكنيسة مؤمنين بإله القديسة كرستينا .
ولما يئسوا من التغلب على هذه الطفلة أتوا بساحر لكي يهلكها بواسطة الشياطين ويتخلصوا منها فألقوها
في جب مملوء بالحيات والعقارب وما شابه ذلك من الحشرات والهوام السامة غير أن كان بتدبير الله أن
الحشرات لم تدن منها بل تآنست بتلك الحشرات وسمعوها ترتل وتسبح إله الآلهة ورب الأرباب ولم تنقطع عن
التسبيح ليلاً ونهاراً فأراد الوالي أن يُسكت هذا اللسان لكي تكف عن التسبيح فأمر بقطع لسانها فقطعوه إلا أنها
بتدبير إلهي بقيت بعد ذلك تتكلم كما كانت ورفعت صوتها بالترتيل قائلة : " إن سرت في وادي ظل الموت فلا
أخاف شراً لأنك أنت معي ، عصاك وعكازك هما يعزيانني " .
وقالت بصوت عالي أن إلهنا في السماء وعلى الأرض وكما يشاء يفعل أما آلهة الأمم فما هي إلا ذهب
وفضة صنعة أيادي البشر وتسكنها الشياطين فانذهل الجميع من كثرة هذه العجائب وآخر الأمر علقوها على
خشبة ورشقوها بالسهام وهكذا سلمت روحها الطاهرة بين يدي فاديها الحبيب وطارت تلك الحمامة الوديعة إلي
الأحضان الأبوية .
وهكذا إنتصرت هذه الطفلة البريئة على كل قوة الشر وفازت بإكليل الشهادة وتوجت بتاج المجد الذي لا
يفنى وكان إستشهاد هذه القديسة المباركة في أواخر القرن الثالث الميلادي بركة صلوات هذه القديسة " الشهيدة
كرستينا " تكون معنا آمين .
وكان والدها أريانوس والياً علي المدينة وكان وثنياً فظاً شرس الأخلاق وكان من أكبر أعداء المسيحية ، وكان
يضطهدهم بكل قوته ولم يكن يدع يوماً يمضى بدون تعذيب أحداً منهم ، وكان يتلذذ بأن يرى إنساناً من
المسيحيين يتأوه أو يتألم .
أما القديسة " كرستينا " فكانت لطيفةً جميلة الخلق والأخلاق وكانت من حينٍ لآخر تحضر المحفل
لمحاكمة أحد المسيحيين وكانت تتعجب من إحتشامهم وشجاعتهم في إحتمال أشد أنواع العذابات ، فأستخبرت
عنهم سراً فقيل لها أنهم مسيحيين وأنهم يعبدون الله الواحد ويرذلون عبادة الأوثان ويترجون الحياة الأبدية
السعيدة بعد الموت والإنتقال من هذا العالم الزائل من أجل ذلك يرذلون مباهج الحياة الدنيا وزخارفها ، يتركون
الكل ويتمسكون بالواحد .
إتفق بعد ذلك بتدبير العناية الإلهية أن كرستينا وجدت نساء مسيحيات فتعلمت منهم مبادئ الديانة المسيحية
وتعمقت فيها ثم سعت أن تنال سر المعمودية المقدسة ، وقد نالت هذا السر عن إيمان وتعمق وكانت حين ذاك
إبنة عشر سنين ، ونمت في الفضيلة رغم صغر سنها وفاقت الكثيرين في هذا الطريق حتى أصبحت حياتها صلاة
متصلة وصوم بنقاوة القلب وطهارة الجسد .
دخلت ذات يوم المكان الذى كان أبوها يحفظ فيه الأوثان الذهبية والفضية في قصر والدها فنظرت الصبية إلي
هذه الأوثان وتعجبت أن هذه آلهة تعبدها الناس وتقدم لها الذبائح . أين عقل الإنسان وحكمته ألم يخلق لنا الله
العقل للتمييز بين الخير والشر فقالت في نفسها ماذا يحدث لو أنا حطمت تلك الأوثان هل تجازيني الآلهة كما
يقولون
أقدمت علي الأوثان وحطمتها وكانت تجد لذةً في تحطيمها إذ إنها لم تجد مقاومة ولا دفاع عن النفس ثم
جمعت كسرها وباعته ووزعت ثمنها على الفقراء والمساكين ، إن حداثتها ومحبتها للسيد المسيح له المجد وما
فعلته من واجبات محبة القريب والإحسان على المساكين دفعتها في سبيل الرب يسوع لأن فلسفة عقلها وإيمانها
وأثبتا لها أن ما فعلته كان واجباً طبيعياً لا يحتاج إلي إقناع ولا إلي تحريض .
كيف ترى الأوثان سائدة في بيت أبيها وهي تعلم أن يسوع المسيح هو الإله الحقيقي خالق السماء والأرض
والبحر وكل ما فيها كل هذا ما لا يقبل به قلبها أو عقلها ولا إيمانها. حطمت الأوثان ورأت أن تفضح قدرتها
كيف لم تستطيع أن تدافع عن نفسها ضد أنامل ناعمة لطيفة صغيرة لم تتجاوز العشر سنين من عمرها.
فلما علم أبوها بذلك غضب جداً وخاف من غضب الآلهة وإنتقامها منه فأستدعى إبنته وسألها قائلاً: كيف
تجاسرتِ وفعلتِ هذا الجُرم العظيم ضد الآلهة فقالت بطيبة قلب وبكل هدوء بعيدة عن التكلف : أين هي الآلهة
يا أبي أتقول عن الأصنامُ انها آلهة كيف هذا يا أبي ، إن الأصنام لا شيء لأنها جماد ويسكنها الشيطان إبعد
عنك هذا الجهل يا أبي وآمن بالرب يسوع المسيح لأنه هو الإله الحقيقي وليس إله آخر سواه . هو خالق
الإنسان والحيوان وهو خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها هو الذي مات لنحيا .
فلما سمع أبوها هذا الكلامُ جُن جنونه وكادت الأرض أن تغوص تحت قدميه واحتدم غضباً وغيظاً وعزم
علي تعذيبها وقتلها إن لم ترتد عن تلك الديانة الجديدة فقال لها: " تكلمي بالحق يا كرستينا وقولي لي هل أنتِ
كسرتِ وسحقتِ آلهتي التي أسجد لها وأعبدها دائماً وأقدم لها الذبائح لكي يعم الهدوء والسلام في كل الولاية
فأجابته القديسة قائلةً : يا أبتي ما هي هذه الآلهة التي تسحقهم وتلاشيهم يد طفلة صغيرة مثلي عمرها عشر
سنين أما تخجل من ذلك يا أبي أن تسمي هذه الأصنام آلهة وتسجد لصنعة الأيادي التي لا تضر ولا تنفع
فألتهم قلب أبيها غيظاً وقال لها : " يا شريرة يا منافقة إنكِ إن لم تسمعي كلامي تموتي أشد ميتةُ. تنالين أشد
العذابات إن كنتِ لا ترذلين مذهب المسيحيين وتعبدين آلهتنا .
قالت له القديسة : " إنك تقدر أن تحرمني هذه الحياة لكنك لا تقدر أن تفصلني عن الإيمان بالسيد المسيح
الذي أعبده ومستعدةً أن أموت لأجله وإنني واثقة بنعمته أن أتغلب على كل العذابات ولا يهمني الموت .
أمر بتعذيبها فطرحها الجنود علي الأرض وضربوها بالسياط ، ولما رآها هادئةً تحت وطأة الضرب كأنها
لم تُضرب أمر الجنود أن يمزقوا لحمها بمخالب حديد إلي أن تموت ، فلما سال دمها علي الأرض أخذت جزء
منه وأرته لأبيها بإحتشام وشجاعة مقرونة بإبتهاج فخجل أريانوس أبوها وأمر أن تُلقى في السجن ، فلما رآها
سالمةً تماماً وكأنه لم يصبها أذى لأن ملاك الرب كان قد أتاها في السجن وضمد جراحها وشفاها فوقفت أمام
والدها وهي ثابتة في الإيمان كمثل الجبل الذي لا يتزعزع .
لما رآها على هذا الحال أمر بتعذيبها بأشد أنواع العذاب لكي ترتدع وتكون عبرةً لغيرها من الفتيات ،
فعلقوها على دولاب كله سكاكين حادة وأداروها عليه ومن تحت نار ملتهبة وكانوا يسكبون عليه زيت ليضاعفوا
من إشتعال النار ، وكان جمهور من الناس يشاهدونها في هذا المنظر البديع ، أن الطفلة في وسط النار ولم
تحترق ولم يصبها أذىً .
طارت النار من حول الدولاب وأحرقت كثيرين من الوثنيين فأعترى الحاكم الخزي والخوف ثم أمر بإرجاعها
إلي السجن وكان هذه المرة في سجن مظلم نتن الرائحة، فدخلت القديسة السجن ورفعت يديها و إبتدأت تصلي
بقلبٍ مملوء من السلام وإذا بملاك الرب ظهر لها ووقفت أمامها وكان شكله مضيئاً يلمع كنور الشمس ولمس
جسدها فشُفيت من جميع جراحها وعزاها الملاك وشجعها علي مواصلة المسيرة التي إبتدأتها فتعزت القديسة
وشكرت الله الذي لا يترك أولاده في ضيقاتهم ، كما قال داود النبي: " عند كثرة همومي. فى داخلى تعزياتك
يارب تلذذ نفسي" .
رأي الجنود هذه الأعجوبة العظيمة وأخبروا بها أريانوس الوالي والد القديسة وبدل أن يؤمن إشتد غضبه
أكثر وقال : " من أين أتت لها هذه القوة ! فأمر بإحضارها، فلما مثلت بين يديه ورآها وهي صحيحة الجسد
وناضرة الوجه متلألئةً فرحةً ، وبدل أن يزعن للحق ويقع علي عنقها ويُقبلها ويدافع عنها ويقبل بإيمانها
ويستغفرها حمله غيظاً وشراسة على أن يربطها بحجر ويرميها في البحر القائم على طرف المدينة ظناً منه أن
يستريح منها .
فلما ألقاها الجند في وسط البحر ظهر حينئذ ملاك الرب وحمل القديسة إلي حافة النهر وخلصها من الغرق ،
فلما سمع الوالي أريانوس والد القديسة جُن غضباً وسخطاً ومات لوقته إذ وجدوه في الصباح ميتاً في سريره ،
وخلفه في الحكم رجلاً أفظع منه أخلاقاً وأقوى منه شراسة يُدعى ديون ، فلما جلس على كرسي الحكم سمع
بخبر هذه القديسة وما فعله معها وإلا وكيف إنتصرت في كل هذه العذابات ، وبدل أن يرق قلبه علي هذه الطفلة
الصغيرة أراد أن يدلو بدلوه في عذاب هذه الطفلة البريئة .
إخترع أنواع من العذابات لم يُسمع بها من قبل ، ذلك لينتصر به علي شجاعة تلك القديسة وكأنه يحارب مع
ملك آخر . أمر هذا الطاغية الجديد أن تُوضع القديسة في قدر ملئ بالزيت والزفت ويتركوه يغلي مدةً ثم تُوضع
فيه القديسة كرستينا ، لكن القديسة عروس المسيح لما رأت ذلك تقدمت بكل شجاعة علي القدر الملئ بالزيت
المغلي ورشمت عليه علامة الصليب المقدس ونزلت فيه وهي تقول : " جزنا النار والرب أخرجني إلي الراح .
مكثت في القدر وهي تردد الصلاة بالشكر لله الذي أهلها أن تتألم من أجل إسمه ، ولم يسمها شئ من هذا
الزيت المغلي بسوء بل كانت فرحةً كأنها في حمام ماء وقالت للجلادين بسخريةٍ : كأنكم أردتم أن تضعوني في
جرن المعمودية من جديد ، إمتلأ الوالي من الغيظ وأمر أن تُوضع القديسة على سرير مُحمى بالنار ، فوضعوها
على هذا السرير وقالت : هوذا السرير الذي تضعون فيه طفلة صغيرة ولدت بالمعمودية ميلاداً روحياً منذ سنة
واحدة فأعلموا أنني متمتعة هنا كأني في حمام.
إحتار الوالي من أمرها ماذا يفعل مع هذه الطفلة التي تحير الحكام في أمرها . فأمر أن تُقاد كرستينا وهي
مكبلة بالسلاسل إلي هيكل أبوللون ، فلما دخلت الهيكل سقط الصنم على الأرض وتحطم في تلك الساعة عينها
سقط الوالي ديون من منبره ومات من الغيظ فلما رأي الجلادين هذا المنظر خروا ساجدين عن قدمي القديسة
كرستينا وصرخوا قائلين : لا إله إلا يسوع المسيح إله القديسة كرستينا الذي يعبده المسيحيين فلما رأي الشعب
ذلك آمن منهم في هذا اليوم جمعاً كثيراً وطلبوا المعمودية وأطلقوا القديسة ، لكن الشيطان عدو الخير لم يدعها
تتمتع بالراحة كثيراً بل جعل الحرب مستمرة معها دائماً .
جلس على منصة الحكم رجل ثالث يُدعى يوليانوس وبدل أن يطلق القديسة ويتركها وشأنها بعد كل ما صنع
الله من معجزات على يديها أراد هذا الوالي أن ينتقم منها لسلفيه فأمرها أن تسجد وتبخر للأوثان فرفضت ذلك
وقالت له : لا أسجد إلا للإله الواحد خالق السماء والأرض فأمر بإلقائها في النار التي أعدوها خصيصاً لها .
ألقوها في النار حيث كانت ملتهبة جداً فمكثت القديسة في النار لمدة خمسة أيام وكأنها في جنة النعيم ولم
تزل تبارك الله وترتل له تسابيح الشكر فأخرجوها بعد ذلك من الأتون فتعجب الجميع لأنه لم تكن رائحة الدخان
حتى في ثيابها وكان كل يوم ينضم الكثيرين إلي الكنيسة مؤمنين بإله القديسة كرستينا .
ولما يئسوا من التغلب على هذه الطفلة أتوا بساحر لكي يهلكها بواسطة الشياطين ويتخلصوا منها فألقوها
في جب مملوء بالحيات والعقارب وما شابه ذلك من الحشرات والهوام السامة غير أن كان بتدبير الله أن
الحشرات لم تدن منها بل تآنست بتلك الحشرات وسمعوها ترتل وتسبح إله الآلهة ورب الأرباب ولم تنقطع عن
التسبيح ليلاً ونهاراً فأراد الوالي أن يُسكت هذا اللسان لكي تكف عن التسبيح فأمر بقطع لسانها فقطعوه إلا أنها
بتدبير إلهي بقيت بعد ذلك تتكلم كما كانت ورفعت صوتها بالترتيل قائلة : " إن سرت في وادي ظل الموت فلا
أخاف شراً لأنك أنت معي ، عصاك وعكازك هما يعزيانني " .
وقالت بصوت عالي أن إلهنا في السماء وعلى الأرض وكما يشاء يفعل أما آلهة الأمم فما هي إلا ذهب
وفضة صنعة أيادي البشر وتسكنها الشياطين فانذهل الجميع من كثرة هذه العجائب وآخر الأمر علقوها على
خشبة ورشقوها بالسهام وهكذا سلمت روحها الطاهرة بين يدي فاديها الحبيب وطارت تلك الحمامة الوديعة إلي
الأحضان الأبوية .
وهكذا إنتصرت هذه الطفلة البريئة على كل قوة الشر وفازت بإكليل الشهادة وتوجت بتاج المجد الذي لا
يفنى وكان إستشهاد هذه القديسة المباركة في أواخر القرن الثالث الميلادي بركة صلوات هذه القديسة " الشهيدة
كرستينا " تكون معنا آمين .
fouad- عضو شادد حيلة
-
عدد الرسائل : 552
العمر : 68
الدولة : وطنى
الديانة : مسيحى ارثوذكسي
مزاجي :
شفيعي :
السٌّمعَة : 3
نقاط : 967
تاريخ التسجيل : 14/04/2009
بطاقة الشخصية
لقبك: ابن المسيح
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى