سيجارة تتحدث

من طرف **admin** الجمعة يوليو 04, 2008 8:22 pm

أنا لفافة صغيرة الحجم, أنيقة المظهر، عُرِفتُ من قديم الزمان، ولـى أصدقاء كثيرون فى كل مكان، ألبـس رداءً جميلاً من الورق الأبيض، وأسكن داخل
علـبة أنيقة مزينة برسومات جميلة، تجدنى فى كل مكـان، فأنا أحتل مركزاً ممتازاً في جيوب أصدقائى، وأستقر على مكاتبهم نهاراً وتحت وسائدهم ليلاً، واشغل مكاناً كبيراً فى واجهات المحلات ورفوف الدكاكين وأملأ يافطات الإعلانات الضخمة ذات الألوان المضيئة.
وتجد صورتى فى الجرائد اليومية والمجلات، ورائحتى
تملأ جو الصالونات والقطارات وعربات الترام.
إن أصدقائى يخلصون لى أشد الإخلاص فيقدموننى
إلى أصدقائهم ومعارفهم. وقد توطدت صداقتي بالكثيرين منذ زمن بعيد فإن 90% من أصدقائى تعرفوا بى وهم بعد أحداث فى سن المراهقة، إذ وجدوا فىّ شبعاً لغرورهم وعلاجاً لمركب النقص فيهم، إذ أظهرهم بمظهر الرجولة، فيتباهون بى أمام الآخرين ولا سيما من الجنس الآخر، إن أصدقائى من كل جنس ومن كل طائفة، فيهم الغنى والفقير، العالم والجاهل، الشيخ والشاب، الرجل والمرأة. ومهما طرأ عليهم من ظروف
فانهم لا يتركوننى، لقد مرض بعضهم ونصحه الطبيب
بالابتعاد عنى ولكنهم فضلوا البقاء فى المرض على أن يبغضونى، وبعضهم افلس واحتاج للقوت الضرورى ليسد به رمقه ورمق أولاده، ولكنه ازداد تشبثاً وتعلقاً بى.
إن أصدقائى على استعداد كامل للتضحـية في
سبيلي مهما كلفهم الأمر ولقد ضحّى بعضهم بماله
وصحته ومستقبله وحياته الأبدية لكي يرضينى، أنهم
ينفقون علىّ بسخاء.
أنا أحوى 19 مـادة كـيمـاوية، لكل منها تأثير
خاص، وأهم هذه المواد النيكوتين وحامض البروسيك والبيرودين والكرولين والفرفورال، وعن طريق هذه المواد المختلفة وبما لي من سلطان فى تكوين عادة، اضـمن سيطرتي الكـاملة علـى كل قوى الإنسان حتى لا يستطيع الإنفكاك منى.
وأنا أسير فى طريق معيّن فأبدأ من أصابع اليد حيث أضع وصمتي عليها ثم أنتقل إلى الفم حيث أترك آثارى على الأسنان، ثم اتجه إلى الحنجرة فالهـبها، ومن هناك أنـزل إلى القصبة الهوائية حتى أصل إلى الرئتين فأحدث احتقاناً وإلتهاباً فى أغشيتهما المخاطية التـى تشكو وتئن بصوت مرتفع يسمونه السعال الذى لا يتأثر بأى دواء من أدوية السعال المعروفة وأحياناً اتسبب عن غير قصد منى فى إصابة بعض أصدقائى بسرطان الرئة.
ومن الرئتين أشق طريقى إلى الدورة الدموية حيـث
أترك رواسبى على جدرانها فاصيبها بتقلص الشرايين وتجلط الدم أحياناً، ثم أصل إلى القلب فأزيد من عدد ضرباته وخفقاته. وفى إمكانى أن أؤثر على المعدة فأفقدها الشـهية وأصـيبها بالتـهابات قد تصل إلى حد التقرح، وفى مقدرتى أيضاً أن أؤثر على الجهاز العصبى فاجعله قلقاً مضطرباً وعلى العينين فيصعب عليهما رؤية الأشياء بوضوح، ولكن تأثيرى الأكبر هو على نفسية أصدقائى، فأوحى لهم باستحالة البعد عنى وأخيفهم وأزعجهم من محاولة تركى، وبذلك تضعف مقاومتهم تدريجياً ويفقدون ثقتهم بأنفسهم فيستسلمون ويصبحون لى عبيداً إذلاء.
وإن كنت آسفة على شئ فهو: أن بعضاً من أعز أصدقائي قد استطاعوا الإفلات من قبضة يدى. لقد عرفوا الـخـسارة التي حلت بهم فى السير معى وتأكدوا من الخطر المحدق بهم وبحياتهم الأبدية فصرخوا إلى الله طالبين النجاة منى واعلنوا غضبهم علىّ فمزقونى أرباً أرباً وطرحونى ارضاً بنعمة المسيح. ومنذ ذلك الوقت انقطعت صلتي بهم وتحولت صداقتهم لى إلى حرب شعواء أعـلنوها علىّ لكى يفقدونى بقية أصدقائى الذين قد تكون أنت واحد منهم